بحث و تقرير عن المراة في الادب الاسلامي
كانت الأطر الدينية بأخلاقياتها ووجدانياتها هي التي تحدد مفهوم حب المرأة تحديدا يتسم بالواقعية والمثالية في آن واحد، حيث نالت بذلك المرأة حبا واحتراما نفتقده في كثير من الشعر الذي تجاهل سبر روحها، واستكناه عواطفها، وأصبحت موضع إثارة شاعرية متميعة المعاني والصور، تستعار في مقدمات القصائد العامة، وتدور معظمها في فلك التقليد وأغراض الغزل. بل تجاوزت بعض الأشعار الأعراف الأخلاقية في المجتمع المسلم، وتمادت في وصف الحب الحسي الذي يخدم غريزة بعض الشعراء إلى حد الانحراف والشذوذ والإباحية كامرئ القيس قديما، ونزار قباني حديثا، إذ تتعدد النساء عندهم بتعدد تجاربهم وعلاقاتهم وباعتناقهم نزعة أبيقورية تعرض مفاهيم خلقية غير سوية، وتجعل من اللذة والمتعة فلسفة للحياة وهدفا للوجود الإنساني.
لقد ابتعد الشعراء الإسلاميون عن هذا الاتجاه العام في التعامل مع المرأة عاطفيا وفنيا، فلم يعددوا تجارب الحب والغزل، لأن المرأة التي اصطفاها فكرهم وقلوبهم هي المرأة المتدنية المؤمنة الملهمة الرسالية التي يسمو جمالها عن أدران الواقع وحبها عن اللحظات الغريزية الزائلة، ويمتد أثره الشعوري إلى الحب الروحي، ولا يتاح للحب أن يسمو إلى هذه المنزلة، إلا إذا كان حبا عفيفا طاهرا، مبرأ من شوائب المادة، لأن الحب المادي لا يثبت أمام إغراءات الحياة، ونوازع الهوى، ولا يتخذ بذلك تلك المنزلة. حيث أحيى حكمت وليد في قصيدته أغنية لقيس بن الملوح صورة للحب العذري، محاولا ربط حاضره العاطفي بالتراث الوجداني مستمدا من جمال الكون وصفاته صورة عذرية أخرى لحبه، فقال:.
وشف الكون عن حلــم غريـب
بهــــي النــور حلــــو الافتنـــــان
وساد الحب في الدنيا فضاعت
حــدود للزمــــان وللمكــــــــان
فقلت وفي فؤادي ألـف فجــر
يطــــل بألــف لــون أرجوانــي
وفي الأعماق أطيــاف عــذاب
كأن السحر في ليــل اعترانـــي
لقد فجــرت فــي قلـبــي ربيعــا
وغابا أخضــرا حلــو المجانــي
وأزهـــارا وغدرانــا وشمســــــــا
وأنهـــــــارا تدفـــــق بالحنــــان
تعالي نجتلي حسن الأقاحــي
ونجني وردنا من كـــل قــــان
فزهر الحب قد مـــلأ الروابــي
ونحـن مـع النسيــــم فراشتــان
وهذا التعامل العاطفي والوجداني مع المرأة له مستوياته الفكرية والفنية، إذ تتعدد صور الحب في الأدب الإسلامي بحثا عن البعد الإنساني والإسلامي في الحياة المسلمة، من خلال تأكيد الروابط المثلى بين الرجل والمرأة، وبين الآباء والأبناء وآثار التدين، والتخلق والتفاهم المعنوي قبل المادي في تحقيق معنى السكينة والطمأنينة والأمان والعطاء، إذ تحتل صورة الأم المكانة البارزة في الشعر الإسلامي لما تبعث من أنسام المحبة والتعاطف الـتي تســري مــن الأسرة إلــى المجتمـــع الإسلامي، وقد قال تعالى (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير)
وكما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجنة تحت أقدام الأمهات" حديث ضعيف.
ومن خلال هذه المعاني يقدم عمر بهاء الدين الأميري صورة حية للأم في قصيدة طويلة (أمي) يبث فيها عواطفه الجياشة ويعترف بفضلها بكل حب ووفاء وإكبار:
هـي الأم ركـن قــدس الله شـــأوه
وأرسى به في الكون رحمتــه حقــا
وشاد علــى أقدامــه جنــة الرضـــا
وكرمه في الخلق مذ بـــرأ الخلقـــا
وأمــي بهـــا في ذاتهــا وصفاتهــــــا
سجايا من الأمهـات في نظري أتقـى
كأني بها صيغـت مـن الـبر والتقـى
وأن لهـــا في وجههــا منهمـــا ألقــــا
وتتداعى نفس العواطف عند أنور العطار، لكن كانت أكثر رقة وحنوا وهو يعبر عن أمومتها وعطفها وعطائها اللامتناهي:
إنما الأم ومضة من سنا الله
وقيثـــارة همـــت أنغـــامـا
مــن يصنهــا كتابــا مــن الخــلــد
ودنيـــــا تفجــــرت أحـــلامــــا
طيفها الحلــو مر بالنفـس أصـداء
وغنـــــــى فبـــــــدد الآلامـــــــــا
صاغها الله مــن سمــاح ورفـــق
ودموع على الليالـــــي تهامـــــى
خلق كالندى إذا توهج الزهـر
وعطـــف مخلــــــد لا يسـامــــى
وحنـــــــان كالــزنبـــق الطهـــــر
وكالــروح جائســــــا حوامـــــــا
وتتحدد العلاقة الاجتماعية بين الرجل والمرأة داخل عالم الأسرة، وقد قال تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ). وفي هذا العالم الأسري يحققا مادة الحياة الإنسانية التي تغذي الأجيال، وقد سخر الله للطفل حنان الأمومة وشعور الأبوة الفطريين ليكفلا تنشئته ورعايته. ويرعى عمر بهاء الدين الأميري لهذا الشعور الفطري مفصحا عن مشاعر الأبوة والأمومة التي تعكس الحب والحنان, ويقف بذلك موقفا بارزا حين يصدر دواوين بعنوان " أب " , " أمي "، " أبوة وبنوة "، فهو يذكر بكل حب واعتزاز ووفاء والديه وأبناءه. وإذا كان الأميري قد تحدث عن الأبناء بشعور أبوي فياض فإن هناك من الشعراء من استشعر أبوته، ومن الشاعرات من استشعرن أمومتهن، نحو أحدهما: الابن أو الابنة. وبالتالي تحظى الابنة بقسط وافر من هذا الاستشعار كما نجد ذلك عند الشاعر يحيى بير حاج في قصيدته " صغيرتي " حيث يقول وفي نفسه مودة وسماح وتذكر لوصايا الرسول صلى الله عليه وسلم:
تناديني الصغيرة في الصبـــاح
أبي نـادى المنــادي للفــــلاح
فتغريــد البلابــل فـي نداهـــــا
وفي لمساتها خفـــض الجـــناح
تودعني صباحا حين أغــــــدو
وترقبني بشوق فـي الـــــرواح
وأنعم حين أغدوهــا حـــــلالا
وأنســى مــا ألاقي في كفــاحي
وتمحــو ابتســـاماتـــي عنائــــي
وتأســـو في مودتهــا جراحـــي
يسر فؤادي المضني ابتســــــام
وألقاهـــا فليقـانــي ارتياحــــي …
أحق الناس بالرحمات بنــــت
وأولـــى بالمــــودة والسمـــاح
بها وصى الرسول وكم وصــاة