بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله...
إعمل بعلمك تغنم أيها الرجل *** لا ينفع العلم إن لم يحسن العمل
والعلم زين وتقوى الله زينته *** والمتقون لهم في علمهم شغل
وحجة الله ياذا العلم بالغة *** لاالمكر ينفع فيها ولا الحيل
تعلم العلم واعمل ما استطعت به *** لا يلهينك عنه اللهو والجدل
وعلم الناس واقصد نفعهم أبدا*** إياك إياك أن يعتادك الملل
وعظ أخاك برفق عند زلته *** فالعلم يعطف من يعتاده الزلل
وإن تكن بين قوم لا خلاق لهم *** فأمر عليهم بمعروف إذا جهلوا
فإن عصوك فراجعهم بلا ضجر *** واصبر وصابر ولا يحزنك ما فعلوا
فكل شاة برجليها معلقة *** عليك نفسك إن جاروا وإن عدلوا
إن العمل هو الغاية المقصودة من العلم و المثل الأعلى لطلابه، و العلم مهما بلغ فضله ليس إلا وسيلة للعمل، ولا يكون له من الثمرة إلا بقدر ما يعمل به،و العلم بلا عمل كشجرة بلا ثمر,قال الله تعالى: ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) البقرة44
وهذا ما أوصى به علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال :" من نصّب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه , ومعلم نفسه ومهذبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومهذبهم " ..
و لا يكون علم الطالب مثمرا إلا إذا كان مخلصا في طلبه، معتقدا أنه إنما يتعلم ليعمل لا ليقال انه عالم، ، مطبقا له بالعمل في نفسه ومجتمعه حتى يعيه فكره، وينضجه عقله، و تتعوده جوارحه، وتعمل به فيكون له كالعادة، أما طلبه لرياء، وسمعة، وحشو الدماغ به، بدون تطبيقه ، والتصرف فيه، وتوليد بعضه ببعض بالبحث و النظر، فكمن يكدس أكياسا من الدراهم في خزانته بدون أن يتصرف فيها لمنافعه، كإزالة ألم الجوع و العطش وسائر الطوارئ، ولا يأمن عليها أيضا من السلب والنهب و الحرق.
ومن الأمراض المزمنة الفتاكة بالمسلمين، تركهم للعمل وعدم اكتراثهم به إلى أن بلغوا من الانحطاط والهوان ما بلغوا,وليست الأخطار المحدقة ببلاد الإسلام كلها لجهل المسلمين و عدم إقبالهم على العلم فحسب، و لكن السبب الأعظم فيها إنما هو تركهم للعمل، وتهاونهم بما يأمر به الدين.
و المسلمين على اختلاف طبقاتهم من راعى الأنام إلى راعي الأغنام يعلمون وجوب الصلاة و الزكاة، والصوم، و الحج، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و صلة الأرحام و غيرها، يعلمون حرمة قتل النفس، والفجور،و الخمور، و الظلم، و الربا، و أكل أموال الناس الخ.. فهل هم يعملون بعلمهم هذا، فيمتثلون أوامر الدين ويجتنبون نواهيه؟ كلا ولئن عمل أحد منهم به فهل يعمل بصدق وإخلاص؟ إلا من شاء الله !
وكل منا يعلم ما بيننا وبين الصحابة و السلف الصالح رحمهم الله من البون العظيم، و الفرق الشاسع، ولكن هذا بماذا؟ الفرق بيننا وبينهم هو، أنهم يعملون بعلمهم ويعملون بإخلاص، ونحن لا نعمل به، وإذا عملنا به فبرياء وسمعة إلا ما ندر.
والقدوة السيئة بالعلماء فإذا كان العالم نفسه مثال التهتك و الاستهتارو التهاون بالعمل و بالدين فما ظنك بتلاميذه؟ وإذا كانت طبقة أهل العلم على هذا الشكل فكيف تكون طبقة العامة و الأميين الذين يتخذون علماء الدين ومن ينتسب إلى العلم هداة يقتفونهم في مفاوز الحياة؟
إذا كان رب البيت للطبل ضاربا فلا تلم الصبيان فيه على الرقص
ومما يرهب من مخالفة القول العمل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه , فيدور فيها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان , الم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه " .