معاملات إسلامية
الحرابة أو قطع الطريق
الحرابة: هى خروج الفرد أو الجماعة بالسلاح على الناس في بلد إسلامى لأخذ أموالهم. وقد يجنحون إلى القتل وهتك العرض وغير ذلك.
حد الحرابة:
الحرابة جريمة كبيرة، بل هى من أكبر الكبائر، ولذلك وضع لها الإسلام عقابًا رادعًا حتى لا تنتشر في المجتمع، فتكثر الفوضى والاضطرابات، فينهار المجتمع.
قال تعالى: {إنما جزاء الذين يحارون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم} [المائدة:33-34].
وقد اختلف الفقهاء في هذا الحد، فقالوا إن كلمة (أو) في الآية للتخيير بمعنى أن للحاكم أن يختار حُكْمًا من أحكام أربعة يوقعها على المحارب والمفسد في الأرض، وهذه الأحكام هى: القتل، أو الصلب، أو قطع الأيدى والأرجل من خلاف فتقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، فإن عاد للحرابة مرة ثانية تقطع اليد اليسرى مع الرجل اليمنى، أو النفي من الأرض. فالحاكم يختار إحدى هذه العقوبات، فيطبقها على الجانى.
ومن الفقهاء من قال إن (أو) في الآية للتنويع. بمعنى أن تتنوع العقوبة بمقدار الجريمة.
فإن قَتَل ولم يأخذ مالا قتل، ويقتل جميع المحاربين وإن كان القاتل واحدًا منهم، وإن قتل وأخذ المال قتل، ومن الفقهاء من قال يقتل أولا ثم يصلب ليكون عبرة، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وإن أخاف الناس، ولم يقتل، ولم يأخذ أموالهم عُزِّرَ بالحبس أو النفي من البلد.
شروط إقامة حد الحرابة:
ولكى يقام حد الحرابة على الجانى لابد من أن يكون الجانى بالغًا عاقلا، فإن كان صبيَّا صغيرًا، واشترك مع غيره في قطع الطريق أو كان مجنونًا فلا حد عليه. ويقام الحد على من تنطبق عليهم الشروط واشتركوا مع هؤلاء في الجريمة!
- أن يكون قد حمل سلاحًا في تعدِّيه على الناس أو في قطع الطريق عليهم.
- أن يقع التعدى خارج البلد في الصحراء مثلا، لأنه لو كان في داخل البلاد لم يُعد هذا حرابة.
- أن يكون تعديه هذا مجاهرة وفي العلانية، فإن هجم على قافلة مثلا وسرق منها في الخفاء وهرب، فهو سارق يقام عليه حد السرقة ولا يقام عليه حد الحرابة، وإن أخذ جهرًا وهرب فهو ناهب ولا يطبق عليه حد الحرابة.
دفاع الإنسان عن نفسه وعن غيره:
وليس معنى ذلك أن يستسلم الإنسان لقاطع الطريق، وإنما عليه أن يدافع عن نفسه إلا أن يخشى الهلاك. فإن دافع عن نفسه وقتل فهو شهيد، وإن قتل المعتدى فلا شىء عليه لقوله (: (من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد...) [الترمذي].
وإذا استطاع أن يدافع الإنسان عن غيره، وجب عليه ذلك، فإن كان غير قادر فلا شىء عليه.
سقوط حد الحرابة بالتوبة:
يسقط حد الحرابة بتوبة الجانى أو قاطع الطريق، وذلك قبل أن يقبض عليه الحاكم، فإذا قدر عليه الحاكم بعد ذلك عفي عنه ما ارتكبه في حق الله، أما ما ارتكبه في حق العباد فلا يعفي عنه، وتكون العقوبة من قبيل القصاص، والأمر في ذلك يرجع إلى المجنى عليهم لا إلى الحاكم؛ فإن كان قد سرق فقط يرد ما أخذه إلى صاحبه، وإن هلك رَدَّ مثله أو قيمته، ولكن لا يقام عليه الحد. وإن كان قد قتل يقتص منه، فيقتل لا على الحرابة ولكن على القصاص إن رأى المجنى عليهم ذلك.
كما يسقط بتكذيب المقطوع عليه القاطع في إقراره بقطع الطريق ويسقط برجوع القاطع عن إقراره بقطع الطريق، وبتكذيب المقطوع عليه البينة، وبملك القاطع الشيء المقطوع له، وهو المال.
حكم من يساعد قاطع الطريق:
إن ساعد أحد قاطع الطريق في هجومه المسلح على الناس، ولكنه لم يقتل ولم يأخذ مالا؛ فحكمه حكم قاطع الطريق ويقع عليه حد الحرابة، وقيل: بل يعزر فيحبس.
قتال البغاة:
البغى لغة هو التعدى أو هو الامتناع عن طاعة الإمام في غير معصية والخروج عليه بالسلاح أو بدون سلاح وهو مُحرَّم لقول النبي (: "من حمل علينا السلاح فليس منا" [متفق عليه]. ولقوله (: "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية" [مسلم والنسائى].
وهؤلاء البغاة لا يأخذون حكم قطاع الطريق. وإنما يحاربون بقصد ردعهم وردهم إلى طاعة الإمام، وليس بغرض قتلهم، قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلي أمر الله}[الحجرات: 9].
أى حتى ترجع إلى أمر الله وتخضع للحق. فهم يقاتلون بهدف إخضاعهم لأمر الله، فإن أُسِرَ منهم أحد لا يقتل، وإن جرح منهم أحد لا يجهز عليه بالقتل.
وإن كانت جماعة البغاة لا تملك سلاحًا تخرج به على الحاكم؛ فإنهم يحبسون حتى يخضعوا لأمر الله ويتوبوا ولا يقتلون، فإن استعدوا للقتال، وكان لهم مكان يتحصنون فيه، وسلاح يحاربون به، دعاهم الإمام إلى التزام الطاعة، ودار العدل، وعدم الخروج على الجماعة،فإن رفضوا ذلك قاتلهم، ولكن لا يبدأ بالقتال، ولا حرج من أن يُقتَل البغاة بسلاحهم، ويؤخذ خيلهم لحربهم إذا احتاج المسلمون إلى ذلك، لأن للإمام أن يفعل ذلك في مال المسلمين العدول إذا اقتضى الأمر ذلك، فكأن الاستعانة بمال البغاة أولى، ويحبس الإمام عنهم أموالهم حتى يردهم ويتوبوا إلى ربهم، فإن تابوا: أعاد الإمام إليهم أموالهم.
والبغاة ليس عليهم ضمان ما أتلفوه من الأنفس والأموال، لأنهم إنما بنوا بتأويل القرآن، ولأن تضمينهم ينفرهم عن الرجوع إلي طاعة الإمام، فلا يشرع كتضمين أهل الحرب، ولاضمان على أهل العدل من المسلمين بقتلهم أهل البغى، ولا يضمنون ما أتلفوه عليهم، وإذا أتلف البغاة أو العادلون مال بعضهم بعضًا، قبل تمكن المنعة للبغاة، أو بعد انهزامهم، فإنهم يضمنون ما أتلفوه من الأنفس والأموال، لأنهم حينئذ أهل دار الإسلام، فتكون الأنفس والأموال معصومة.