معاملات إسلامية
القــذف
القذف في اللغة والشرع:
القذف في اللغة معناه الرمى بالحجارة، فيقال: قذف الرجل الحجر. أى: رماه.
ثم استعمل في الرمي بالمكاره، لعلاقة المشابهة بين الحجارة والمكاره في تأثير الرمي بكل منهما، لأن في كل منهما أذى، وفي القذف أذى بالقول، ويسمى القذف فرية، لأنه من الكذب والافتراء.
وفي الشرع يقصد به رمى الإنسان غيره بالزنى، كأن يقول له: يا زانٍ أو يا زانية أو فلان زنى أو فلانة زنت.. إلى غير ذلك دون أن يأتى بأربعة شهداء يشهدون بارتكاب المقذوف بالزنى.
والقذف كبيرة من الكبائر دعا الإسلام إلى الابتعاد عنها حتى تصان أعراض الناس؛ قال (: (اجتنبوا السبع الموبقات). قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولى يوم الزحف (الفرار أثناء محاربة الأعداء) وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) [متفق عليه].
حد القذف:
يعاقب القاذف بالجلد ثمانين جلدة، ولا تقبل له شهادة في أى أمر من الأمور -ما لم يتب- وهو فاسق بنص القرآن الكريم.قال تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا وأولئك هم الفاسقون. إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}[النور:4-5].
ويقام هذا الحد على كل قاذف، رجلا كان أم امرأة، مسلمًا كان أم غير مسلم، يرمى غيره بالزنى دون أن يأتى بأربعة شهداء صادقين يشهدون بما قال، سواء كان المقذوف رجلا أم امرأة، مسلمًا أم غير مسلم، حرَّا أم عبدًا، كبيرًا أم صغيرًا، صحيحًا سليمًا أو غير سليم.
حد القذف حق من حقوق الله:
حد القذف حق من حقوق الله لا يسقط عن القاذف أبدًا حتى وإن عفا عنه المقذوف، إلى هذا ذهب الأحناف. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن القذف حق للمقذوف، فيجوز له أن يعفو عن القاذف ولو وصل الأمر إلي الحاكم، كما أنه يُكرِّر بتكرار القذف؛ فإن رمى إنسان غيره بالزنى وأقيم عليه الحد، ثم عاد إلى القذف بالزنى لغيره مرة ثانية، أقيم عليه الحد للمرة الثانية، وكما عاد إلى القذف عاد الحاكم إلى إقامة الحد عليه، إلا أن يكون قذفه ولم يحد، ثم قذفه مرة أخرى، فيحد مرة واحدة، وإذا قذف الرجل جماعة، فيحد مرة واحدة، ولو لم يطالب بإقامة الحد إلا واحد منهم، وقيل: يتعدد الحد إذا قذفهم بكلام كثير، فيصبح لكل واحد منهم حق في حده، فيتعدد الحد، أما إذا قذفهم بكلمة واحدة كأن قال لهم: يا زناة. فيحد مرة واحدة.
ما يثبت به حد القذف:
يثبت حد القذف باعتراف القاذف على نفسه بأنه رمى إنسانًا بالزنى زورًا وبهتانًا، أو بأنه رماه بالزنى دون أن يكون لديه شهود أربعة يشهدون بذلك، كما يثبت بشهادة رجلين يُعرفان بالتقوى والصلاح وعدم الكذب على القاذف بأنه رمى إنسانًا بالزنى ولم يكن له شهود بذلك.
شروط ثبوت حد القذف:
لكى يصبح القذف جريمة تستحق هذا الحد لابد من توافر شروط معينة فيه، هى:
1- أن يكون القاذف عاقلا بالغًا مختارًا: فإن كان القاذف مجنونًا أو مكرهًا على اتهام غيره بالزنى؛ فلا حد عليه، وإن كان صغيرًا أُدِّبَ بالضرب، ولا يقام عليه الحد.
2- أن يكون لفظ القذف صريحًا كأن يقول الرجل لغيره: أيها الزانى، أو أنت زانٍ سواء أكان ذلك بالكلام أم بالكتابة. فإن كان اللفظ غير صريح كأن يقول لغيره أنا لست بزانٍ وإنما الزانى غيرى. فلا يقام عليه الحد؛ لأن مثل هذا القول يحتمل أكثر من معنى فقد يقصد القائل بذلك أن يقول له: أنا لست زانيًا وإنما الزانى أنت. فيكون بذلك قد قذفه بالزنى، وقد يقصد أنه ليس زانيًا وإنما الزانى غيره ولا يقصد بذلك قذف أحد، فتعدد الاحتمالات في اللفظ يعتبر شبهة، والشبهة تدفع الحد.
من رمى غيره بغير الزنى:
لا يقام الحد على من يتهم غيره بغير الزنى كأن يقول الرجل لغيره يا كافر أو يا سكير، وإنما يُعزَّر بالضرب أو غيره حتى لا يعود لمثل ذلك. كما لا يقام الحد على القاذف إذا اعترف المقذوف على نفسه بالزنى.
متى يسقط حد القذف:
يسقط هذا الحد عن الرجل إذا اتهم زوجته بالزنى دون أن يأتى بشهود أربعة. سواء اعترفت الزوجة بالزنى أم لم تعترف.فإن اعترفت أقيم عليها الحد. وإن لم تعترف أقيم بينها وبين زوجها التلاعن أو اللعان. وهو أن يشهد الرجل ويقسم بالله أربع مرات إنه لصادق.
ثم يشهد الخامسة بأن لعنة الله عليه إن كان كاذبًا، وتشهد المرأة وتقسم بالله إن زوجها كاذب، ثم تشهد الخامسة أن غضب الله عليها إن كان زوجها صادقًا.
ثم يفرق بينهما بالطلاق ولا يحل لهما أن يتزوجا بعد ذلك أبدًا. قال تعالى: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين. ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه من الكاذبين. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} [النور: 6-9].
آداب يجب على المسلم الالتزام بها:
لا يجوز لمسلم أن يعيِّر رجلا زنى وأقيم عليه الحد، كأن يقول له: يا زاني، فقد قال (: "إذا زنت الأمة، فتبين زناها، فليجلدها ولا يثرب" [متفق عليه]. (أى: لا يعير).
فإن عيَّر الرجل الزانى الذى أقيم عليه الحد، يعزر بما يراه الحاكم، ولكن لا يقام عليه حد القذف.