معاملات إسلامية
الهبة
الهبة: عقد يقتضي أن يمتلك شخص مالا معلومًا أو مجهولا تعذر علمه، مقدورًا علي تسليمه، غير واجب في حياة الواهب، بلا عوض عن الموهوب إليه، بلفظ من ألفاظ التمليك أو ما يقوم مقامه.
والهبة أمر مستحب لما تعبر عنه من الأخوة، ونبت السرور في النفوس، وهي مشروعة كما جاز في القرآن : (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا) [النساء: ]، ولقوله ( :"تهادوا تحابوا" [رواه البخاري في الأدب المفرد].
أركان الهبة:
وأركان الهبة عند الجمهور أربعة، هي:
الواهب، والموهوب له والموهوب وصيغة الهبة، وركن الهبة عند الأحناف هو الإيجاب والقبول، ولا تتم الهبة إلا بالقبض.
أنواع الهبة:
وللهبة أنواع، منها: الرقبي ولعمري والمنحة.
الرقبي: هي أن يقول إن مت أنا قبلك فهو لك، وإن مت أنت قبلي فهو لك.
تتخلص أحكام الرقبة في ثلاثة أحكام:
الأول: أن يقول الرجل لغيره: أعمرتها، ويطلق الصيغة دون تتقيد، فهذا تصريح بأنها للموهوب له، وحكمها حكم المؤبدة لا ترجع إلي الواهب،وهذا ما عليه الجمهور.
الثاني: أن الرقبي عارية ترجع بعد الموت إلي المالك، وهو أحد قولي الشافعي ؛ لأن الهبة المطلقة للمعمر،ولورثته من بعده.
الثالث: أن يقول الرجل لغيره: هي لك ما عشت، فإذا مت رجعت إلي فهذه عارية مؤقتة ترجع إلي المعير عند موت المعمر، وبه قال كثير من العلماء، ورجحه جماعة من الشافعية، والأصح عندهم أنها لا ترجع، واستدلوا بحديث جابر أن رجلًا من الأنصار أعطي أمه حديقة من نخيل في حياتها، فماتت، فجاء إخوته، فقالوا: نحن في شرع سواء ، فأبي، فاختصموا إلي النبي (، فقسمها بينهم ميراثًا. [رواه أحمد].
العمري: هي ما يجعل للإنسان طول عمره، وإذا مات ترد عليه، بأن يقول الرجل: أعمرتك داري هذه مدة حياتي، أو عمري ونحو ذلك، فالعمري نوع من الهبة، مأخوذه من العمر، كذا كانوا يفعلونه في الجاهلية، فأبطل الشرع ذلك، فالعمري للمعمر له في حياته، ولورثته من بعده، لصحة التمليك،وتحديدها بوقت باطل، فقد قال الرسول الله ( :"أمسكوا عليكم أموالكم، لا تعمروها، فإن من أعمر شيئًا، فإنه لمن أعمره" [متفق عليه]. وتتوقف العمري علي الإيجاب المقترنة بالوقت، كما تتوقف الرقبي علي الإيجاب المقترن بشرط الوفاة.
والخلاصة في العمري والرقبي أن كلا منهما نوع من الهبة، يتوقف علي الإيجاب والقبول، ولا يتم إلا بالقبض، وقد أجاز الحنفية والمالكية العمري، ومنعوا الرقبي.
المنحة: هي أن يقول الرجل لأخيه: هذه الدار لك سكني، أو هذه الشاة، أو هذه الأرض لك منحة.
وللعلماء الأقدمون هم الذين يفرقون بين الهبة والمنحة، أما الآن فالمنحة هي الهبة تمامًا.
شروط الهبة:
يشترط في الواهب أن يكون أهلا للتبرع،وذلك إذا كان عاقلًا، قد بلغ سن الرشد، فلا تجوز هبة الصبي والمجنون لفقده الأهلية.
ويشترط في الشيء الموهوب أن يكون موجودًا وقت الهبة، حتى لا يكون شيئًا معدومًا وأن يكون مالا متقومًا، وأن يكون مملوكًا في نفسه،وأن يكون الشيء الموهوب مملوكًا للواهب، وأن يكون محرزًا، لا مشاعًا عند الأحناف إلا إذًا كان مشاعًا لا يحتمل القسمة كالسيارة والبيت الصغير، وأجاز المالكية والشافعية والحنابلة هبة المشاع، وأن يكون الشيء الموهوب متميزًا عن غيره، لا متصلا به، ولا مشغولا بغير الواهب، فلا تجوز هبة التمر دون النخل إلا بعد جز التمر وتسليمه، كما أنه لا يجوز هبة المتصل بغير الهبة اتصال خلقه مع إمكان الفضل، وتشترط قبض الموهوب، وأن يكون القبض بإن الواهب، والقبض نوعان:
قبض بطريق الأصالة عن نفس القابض، وقبض نيابة؛ بأن يستلم غير الموهوب له هبة، بإذنه أو أن يكون وكيلا عنه أو وليه.
حكم الهبة: يثبت ملك الهبة للموهوب له من غير عوض، ولا يصح الرجوع في الهبة إلا هبة الولد لولده، لقوله ( :"ليس لأحد أن يعطي عطية، فيرجع فيها إلا الوالد، فيما يعطي لوالده" [رواه أصحاب السنن].
ويري الأحناف أنه يجوز الرجوع في الهبة (عطية الأولاد). إذا أعطي الوالد أولاده شيئًا، فتستحب التسوية بينهم، والتسوية بينهم تكون بإعطاء الأولاد والإناث علي حد سواء، وهذا رأي الجمهور.
واستدلوا بقول النبي ( :"سووا بين أولادكم في العطية، ولو كنت مؤثرًا، لآثرت النساء علي الرجال" [الطبري]. وهو حديث ضعيف، ويري الحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية أن العطاء يكون كما في الميراث، للذكر مثل حظ الأثنيين.
حكم التسوية في العطية:
التسوية في العطية مستحبة، فلو فضل بعض أولاده علي بعض، جاز مع الكراهة، وحملت الأحاديث التي تدل علي الأمر بالتسوية علي الاستحباب، وإلي هذا ذهب الجمهور.
ويري جماعة من العلماء كالإمام أحمد والثوري وطاووس وإسحاق وغيرهم أن التسوية واجبة، وحملوا الأحاديث التي تأمر بالتسوية علي ظاهرها، واختلف العلماء القائلون بوجوب التسوية، فمنهم من رأي التسوية بين الأولاد والبنات، ومنهم من رأي أن تقسم كالميراث، فتأخذ الأنثي نصف ما يأخذه الرجل، ويري الإمام أحمد، أنه يجوز التفضيل إذا كان لسبب كأن يكون للذي أخذ أكثر ولد مريض أو أعمي ، أو مديون أو كثير العيال، أو يشتغل بالعلم ونحو ذلك.